عِلْمُ النَّبَات
***
قال الله تعالى :
((وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ{33} وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ{34} لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ{35} سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ{36} )) : سورة يس
وقال تعالى أيضاً :
((وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى{53} كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى{54} )) : سورة طه
وقال تعالى :
((وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ )) البقرة:22
وقال تعالى أيضاً :
((وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ)) الرعد:3
وهناك آيات كثيرة تتحدث عمّا خلقه الله عزّ وجلّ لنا من الزرع والنبات والشجر والثمر رزقاً للناس وللأنعام وللحيوان .
ومن مجموع هذه الآيات ترتسم أمامنا صور بديعة دالة على نعمة الله عزّ وجلّ ناطقة بقدرته وفضله . فالأرض تكون ميتة لا شجر فيها ولا زرع ولا ثمر ، فإذا أنزل الله تعالى عليها الماء أحياها به وأنبت فيها أزواجاً من نبات شتّى طعاماً ورزقاً للعباد .
فمن الأرض الميتة تخرج النباتات الحيّة التي تنمو وتتكاثر وتعطي شجراً وثمراً . وإخراج الحي من الميت هو الفعل الرئيسي الذي تقوم على أساسه الحياة في النباتات والحيوانات وكل الكائنات الحيّة ، وإليه يشير القرآن الكريم في سورٍ كثيرة ؛ منها قوله تعالى : في سورة يونس : 31 ،وسورة الروم : 19
((يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ))
وقوله تعالى في سورة آل عمران :27
((تُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الَمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ)).
فكيف يخرج النبات الحي من الأرض الميتة بواسطة الماء ؟!
يقول الدكتور محمود درويش نائب رئيس جامعة القاهرة :
(إن التربة الطينية تحتوي على عناصر كثيرة لا حياة بها . هذه المواد تجمعها جذور النبات الممتدة في باطن الأرض وتكوّن منها خليّة حيّة تنقسم وتنمو . فالحياة هنا قامت على أساس مواد لا حياة فيها) .
وجاء في كتاب ((معجزة القرآن)) للسيدة نعمت صدقي قولها :
>>>إن الكائنات الحيّة يمكن تشبيهها بدوّامة مستمرة الحركة، تأتي إليها المادة الميتة من خارجها فتتحول في داخلها إلى مادة حيّة ، ثم تموت تلك المادة الحيّة في داخلها بعد استنفاد طاقتها فتخرج منها ليحل غيرها محلها ، وهذا معنى قوله تعالى : ((يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ))
فإن جميع الكائنات الحيّة من نبات وحيوان تتكون من مجموعات من الخلايا ، بعضها من خليّة واحدة وبعضها من خلايا قد تصل إلى الملايين عدّاً ، هذه الخلايا الحيّة قد تكونت من عناصر ميتة لا حياة فيها . فغذاء النبات يتكون من مواد غير حيّة ، أملاح وماء يمتصها النبات من التربة ، ومن غاز ثاني أكسيد الكربون الذي تأخذه الأوراق من الهواء ، وكل هذه المواد ميتة ، ولكنها لا تظل ميتة إذا دخلت جسم النباتات بل تتحول داخله إلى خلايا حيّة ، هذه هي عملية البناء التي يقوم بها الغذاء .
وتتلخّص في تحويل المواد التي لا حياة فيها إلى مواد حيّة تحس وتتحرك وتنمو . إلى هنا وصل علم الإنسان ، أما كيفيّة تحولها فلا يعلمه إلا خالق الأكوان .
أمّا إخراج الميت من الحي ، فالظفر والشعر والأسنان مثلاً مواد ميتة تخرج من اللحم الحي <<< .
وهكذا يخرج الله عزّ وجلّ لنا من عناصر التراب الميتة الزرع والحب والثمر . وإذا بها اللبنات الأساسية التي تبنى منها أجسادنا . فما تحتاجه أجسامنا من مواد وعناصر مختلفة نجده موجوداً في هذه النباتات والثمار المختلفة ، وقد وُزع فيها بنسب مختلفة حسب حاجات الإنسان الغذائيّة والصحيّة . وبذلك ينبت الإنسان وينمو من عناصر الأرض ولكن عن طريق النباتات والثمار ولحوم الأنعام .
وإلى ذلك يشير القرآن الكريم بقوله تعالى :
((وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتاً )) نوح:17
كما وتشير الآيات القرآنية السابقة إلى قانون الزوجيّة ((الذكور والإناث)) الذي نجده في جميع المخلوقات سواء في ذلك النباتات والحيوانات والبشر وما لا نعلمه من الأحياء غير المنظورة .
وبذلك تكون الآيات القرآنية الكريمة قد أشارت إلى أعظم عبرة وموعظة في علم النبات ، ألا وهي تحول عناصر التراب الميتة إلى خلايا نباتية حيّة في صورة زروع وثمار مختلفة يعيش عليها الإنسان والحيوان ، ثم عودة هذه المواد إلى الموت في صورة نفايات الأحياء ونواتجها لتتحول إلى تراب وعناصر ميتة من جديد وهكذا .
إن دورة الحياة والموت هذه ، من أعظم معجزات هذا الكون .
ما أجمل كلام سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام مخاطباً فرعون بالحجة القاطعة والدليل الملموس بقوله :
((الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى{53} كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى{54} مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى{55} )) :طه
إن قدرة الله سبحانه وتعالى التي أوجدت هذا الإنسان وهذه الأحياء من التراب والأرض الميتة ، فكستها ثوب الحياة ، ثم أعادتها إليها ودفنتها فيها ، لا يستبعد عليها أبداً أن تعيد خلق هذه الأحياء مرة أخرى بصورة مختلفة ، ولا يستبعد عليها أن تجمع الناس وتحشرهم ليوم الحساب .
إن الذي بدأ الخلق قادر على أن يعيده ..... والحياة الآخرة ليست أغرب ولا أصعب من الحياة الدنيا .
*** إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ***